السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قال عز وجل في محكم كتابه الكريم:
[وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ]
المجتمع الاسلامي مبني على قاعدة التوحيد ، و شعار التوحيد اسم الله
و توحيد الله يعطي المجتـــمع الاســلامــي فضــلا من الله ، و رحمة شاملة و
دائمة ، و شعار الرحمة الشاملة ( الرحمن ) و شعار الرحمة الدائمة ( الرحيم )
.
وهذا يعني ان المجتمع الاسلامي : مستقر و مستمر ، متكامل و دائم ، فهو خير و
رفاه ، و تقدم لجميع الناس في جميع العصور الخط العام الذي تتفرع عنه سائر
الخطوط المميزة للمجتمع الاسلامي انه مجتمع ملتزم بمنهج الله ، و قد عبر
القرآن عن هذه الفكرة في قوله تعالى :
( و الزمهم كلمة التقوى ) فهو مجتمع مبدئي ، و حين نقول مجتمع مبدئي فإننا
نتصور شرطين أساسين هما :
أ - أنه لا يؤمن بالفوضى في أي حقل من حقول المجتمع ، بل يؤمن بالتنظيم في
كافة الابعاد الخاصة و العامة .
ب ) انه ينطلق في تنظيمه من بصائر سماوية ليست فيها تحديدات قومية أو اقليمية
أو عنصرية أو غيرها .. لان السماء هي التي أوحت بهذه البصائر .
كما نعلم أن الحياة الهنيئة قائمة على المحبة والمودة والتعاون والتفاهم
كقاعدة متينة للإستقرار ومثال ذلك العلاقة بين الزوجين حيث هناك حقوق لكل
منهما ينبغي مراعاتها كحق المهر للزوجة
في الآية (21) من سورة الروم قوله تعالى:
(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إِليها)
كما نقرأ: في الآية (72) من سورة النّحل قوله تعالى:
(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً).
ومن الواضح أنّ معنى قوله تعالى:
(خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) هو أنهّ خلقهم من جنسكم لا أنّه خلقهن من أعضاء
جسمكم.
في سورة النساء جاء ضمن الآيات بعد الحديث عن اليتيم دور حقوق المرأة ، و
أبرزها المهر ، لأنه مال ثابت تمتلكه أغلب النساء . فأمر الاسلام بأعطاء
المهر للنساء ، وبين بذلك ان المرأة تمتلك تماما كالرجل ، سواء كانت متزوجة
أم عانسا ، و قد كانت الانظمة البشرية تنفي حق المرأة في الامتلاك خصوصا
المتزوجة.
و يسمي القرآن المهر صداقا ليبين فلسفته التي هي : المصادقة على عهد الزوجية
ذلك ان الرجل يغري فتاة بحلم الزواج ، وعندما يقضي وطره منها يتركها للفحشاء
، فكان عليه ان يقدم دليلا على صدق حبه لها ، و حسن نيته في ادعاء الزواج ، و
ذلك الدليل هو المهر ، من هنا قال ربنا :[ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن
لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ]
النحلة:تعني الدين كما أنها بمعنى العطية ، أي قدموا لهن المهر عطاء لا رجعة
فيه ، و الهنيء ما يسبب الراحة النفسية ، و المريء ما يسبب الراحة الجسدية
وذكر أن الهناء سهولة الهضم وقبول الطبع ويستعمل في الطعام, والمريء من الري
وهو في الشراب كالهنيء في الطعام غير أن الهناء يستعمل في الطعام والشراب
معاً؛ فإذا قيل: " هنيئاً مريئاً " اختص الهناء بالطعام والري بالشراب.
ولا ريب ان المال الحلال الذي يأكله الانسان براحة نفسية يعطي الجسد راحة
جسمية أيضا لطبيعة العلاقة بين النفس و الجسم .
والآية الحاضرة تؤكّد حق المرأة المسلمة قائلة: (وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة)
أي أعطوا المهر للزوجة كمّلا واهتموا بذلك كما تهتمون بما عليكم من ديون
فتؤدونها كاملة دون نقص (وفي هذه الصورة نكون قد أخذنا لفظة النِّحلة بمعنى
الدَّين).
وأمّا إِذا أخذنا لفظة النِّحلة بمعنى العطية والهبة فيكون تفسير الآية
المذكورة بالنحو التالي:
«أعطوا النساء كامل مهرهنّ الذي هو عطية من الله لهنّ لأجل أن يكون للنساء
حقوق أكثر في المجتمع وينجبر بهذا الأمر ما فيهنّ من ضعف جسمي نِسبي».
ثمّ بعد أن يأمر الله سبحانه ـ بصراحة ـ في مطلع الآية بأن تعطى للنساء
مهورهن كاملة ودون نقصان حفظاً لحقوقهنّ، يعمد في ذيل هذه الآية إِلى بيان ما
من شأنه إحترام مشاعر كلا الطرفين، ومن شأنه تقوية أواصر الودّ والمحبّة
والعلاقة القلبية، وكسب العواطف إِذ يقول:
(فإِن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) أي لو تنازلت الزوجة عن
شيء من المهر ووهبته للزوج عن طيب نفسها جاز للزوج أكل الموهوب له، وإِنّما
أقرّ الإِسلام هذا المبدأ لكيلا تكون البيئه العائلية والحياة الزوجية
ميداناً لسلسلة من القوانين والمقررات الجافة، بل يكون مسرحاً للتلاقي
العاطفي الإِنساني، وتسود في هذه الحياة المحبّة جنباً إِلى جنب مع المقررات
والأحكام الحقوقية المذكورة.
وتوضيح ذلك هو، أنّه صحيح أنّ المرأة والرجل يستفيدان من مشروع الزواج،
وإقامة الحياة الزوجية على قدم المساواة، ولكن لا يمكن إنكار أنّ الأكثر
تضرراً لدى افتراق الزوج عن زوجته هي المرأة، وذلك:
أوّلا: إِنّ الرجل ـ بحكم قابلياته الجسدية الخاصّة ـ يمتلك ـ عادة ـ سلطاناً
ونفوذاً وفرصاً أكثر في المجتمع، وهذه هي حقيقة ساطعة مهما حاول البعض
إِنكارها عند الحديث حول المرأة، ولكن الوضع الإِجتماعي وحياة البشر ـ حتى في
المجتمعات الغربية والأوروبية التي تحظى فيها النساء بما يسمّى بالحرّية
الكاملة ترينا بوضوح ـ وكما هو مشهود للجميع ـ إنّ الفرص وأزمة الأعمال
المربحة جدّاً هي في الأغلب في أيدي الرجال.
هذا مضافاً إِلى أنّ أمام الرجال إمكانيات أكثر لإِختيار الزوجات، وإقامة
حياة عائلية جديدة بينما لا تتوفر مثل هذه الإِمكانيات للمرأة، فإِن النساء
الثيبات ـ خاصّة تلك التي يصبن بهذه الحالة بعد مضي شطر من أعمارهنّ،
وفقدان شبابهنّ وجمالهنّ ـ يمتلكن فرصاً أقل للحصول على أزواج لهنّ.
بملاحظة هذه النقاط يتضح أنّ الإِمكانات التي تخسرها المرأة بالزواج أكثر من
الإِمكانات التي يفقدها الرجل بذلك، ويكون الصداق والمهر ـ في الحقيقة ـ
بمثابة التعويض عن الخسارة التي تلحق بالمرأة، ووسيلة لضمان حياتها .
:
"
"
""
"
"
"