يقول الحق تبارك وتعالى: ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *ِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ *َسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *َالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ *لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ *﴾ سورة الصافات
ففي هذه الآيات المباركات من القرآن الكريم حديث عن قصة نبي الله يونس ـ عليه السلام ـ حين ابتلعه الحوت وأنجاه الله من بطن الحوت الذي لفظه بالعراء، وعندها أنبت الله عليه شجر من يقطين. والقرآن حق مطلق لا يأتيه الباطل، فهو كتاب من الله أحكمت آياته ثم فصلت، وهو كتاب هدى في المقام الأول، والعبرة في هذه الآيات ماثلة واضحة في لجوء يونس ـ عليه السلام ـ إلى الله تعالى كما ذكر في موضع آخر: ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين
) سورة الأنبياء 87-88.
ولكن لمزيد من التدبر المطلوب وظهور إشراقات الإعجاز العلمي عصرنا في مختلف مجالات المعرفة شاهدة على البشر أجمعين بتوافق آيات الكتاب الخاتم مع آيات الكون، وكيف لا وكل من عند الله قولاً وصنعاً، وهو ـ سبحانه ـ أحكم القول وأتقن الصنع، لهذا يمكن للباحثين في مجالات النبات والكيمياء والصيدلة والطب أن تتواصل بحوثهم داعية للإيمان وسط المؤمنين ـ بإذن الله تعالى ـ.
أما عن الآيات التي صدر بها هذا المقال فكان هنالك تفاكر وصل إلى تفكر علمي في ندوتين وانتهى ببحثين لدرجة الماجستير أحدهما قد أكمل وأجيز، والثاني قيد الإجازة بفضل الله.
بدأ مشوار التفاكر والتفكر والبحث بموضوع اليقطين وبعض الحكمة من مناسبة ذكره في أحوال نبي الله يونس التي أوضحتها الآيات الكريمات حيث مكث في بطن الحوت وخرج منها وهو سقيم حيث ذكر في التفسير بأنه مريض أو منهك القوى، قد يكون لما لاقاه من الالتقام وبطن الحوت ولفظه في العراء.
من أولى النقاط التي أردنا إماطة اللثام عنها ذكر ((شجرة)) فالآية أوضحت أنها (شجرة من يقطين) والذي يتبادر إلى أذهان الناس اليوم أن هذا الشجر (وهو ما يعرفه اختصاصيو الأشجار كذلك) نبات له ساق وتاج متميز وطول معين (لا يقل عن عشرين قدم عند أهل الاختصاص). ولكن اليقطين وفصيلة اليقطينيات (القرعيات) عموماً هي نبات صغيرة وغالباً مفترشة على الأرض.
وبالبحث في آيات القرآن واللغة عهد تنزل القرآن أتضح أن الشجرة تطلق على النبات عموماً، كما الدابة تطلق على الحيوان عموماً، والجدير بالذكر أن القرآن لم يستعمل كلمة نبات إلا كاسم مصدر مثلاً:
( فأخرجنا به نبات كل شيء
) سورة الأنعام الآية 99.
( والله أنبتكم من الأرض نباتاً
) سورة نوح 17.
وكذلك لم يستخدم كلمة حيوان إلا بذات الطريقة:
( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان
) العنكبوت 64.
ولكنه استخدم شجرة للنبات ودابة للحيوان كما في الآيات:
( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب..
) سورة الحج 18.
( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام
) سورة لقمان 27.
( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها...
) سورة هود 6.
وكذلك عندما نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن اقتراب صلاة الجماعة في المسجد لمن أكل البصل والثوم.
قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : (ما أراهما إلا شجرتين خبيثتين )فكان العرب حينها يطلقون على النبات لفظ الشجر.
وبذا أجاب البحث في القرآن وفي الآثار عن كلمة شجرة، ثم ذكرت الآية أن الشجرة (أو النبات) من يقطين، والآية بعمومها هكذا بصيغة الإنكار ((من يقطين)) قد تفيد أنها من جنس أو قبيلة أو جهة اليقطين، وهي معروفة للعرب ببعض النباتات (يقطين، قرع).
واليوم قد يفهم أن كل الفصيلة يمكن إدخالها في عموم لفظ اليقطين وهي فصيلة اليقطينيات (أو القرعيات).
نعم قد يكون النبات المعين الذي أنبت على يونس ـ عليه السلام ـ هو يقطين معين يستعمله الناس في جزيرة العرب، ولكن ـ كما يقول أهل التصنيف النباتي ـ : إن الصفات المورفولوجية (الشكلية الظاهرة) والتشريحية تتشابه وتتقارب وتشترك أحياناً بين أفراد الفصيلة الواحدة.
وكذلك يقول أهل الصيدلة:
إن المكونات الكيميائية قد تكون مشتركة بين أفراد الفصيلة الواحدة في النبات.
وبناء على ذلك فقد توجه البحث لمعرفة مكونات بعض اليقطينيات وأثرها الوقائي والعلاجي مستصحبين خروج يونس ـ عليه السلام ـ مريضاً أو ضعيفاً منهك القوى.
الجدير بالذكر أن اليقطينيات فصيلة كبيرة بها حوالي ألف نوع نباتي، وهي تنتشر في الأقاليم المدارية وشبة المدارية وشبة المدارية وتتميز بالأوراق الكبيرة وبالأزهار خماسية الأجزاء (القطع) ومنها:
القرع العسلي، وقرع الكوسة، وقرع الأواني (قرع الزجاجة)، والعجور، والبطيخ (الحبحب)، والشمام (البطيخ الأصفر)، والقاوون والليف (نبات متسلق)، والحنظل، وغيرها.
اختيرت بعض اليقطينيات المشهورة في البحث الأول واختبرت ضد البكتريا، واليقطينيات هي قرع الأواني واسمه العلمي (Siceapia Lagenaria) والقرع العسلي واسمه العلمي(Cucurbita pepo) والعجور وأسمه العلمي (Cucumis melo Var. flexuosus) والحنظل واسمه العلمي(Citrullus colocunthis) حيث زرعت الأنواع الأربعة، ومن ثم تم تحضير مستخلصات مائية، كحولية (الكحول الميثانولي) ومستخلص الكلوروفورم لمختلف أعضاء النباتات من الأنواع الأربعة.
وتم اختبار هذه المستخلصات ضد أربعة أنواع من البكتريا وهي العنقودية الذهبية واسمها العلمي (Staphylococus aureus) .
والبكتيريا العصوية الدقيقة واسمها العلمي (Bacillus Subtilis) والبكتريا الاشريكية القولونية واسمها العلمي (Escherchia coli) والبكتريا الزائفة الزنجارية واسمها (Psudomonas aeruginosa).
أولاً: أظهرت جميع الأنواع الأربعة من اليقطينيات فعالية ضد البكتريا ثم اختلفت درجة هذه الفعالية باختلاف نوع النبات والعضو المستخدم منه والبكتريا والمستخلص.
أعطى القرع العسلي (من الأوراق) والحنظل (من الثمار) أعلى فعالية ضد البكتريا، كما أعطى طور الأزهار للنبات أعلى فعالية بالنسبة للأطوار الأخرى.
وكان المستخلص الكحولي الميثانولي هو أقوى المستخلصات فعالية وفي التجزئية الميثانولية للمستخلص كانت خلات الإيثيل أعلى فعالية (مقارنة بالبيوتانول والأثير البترولي).
بالنسبة للبكتريا كانت الحساسية ضد البكتريا موجبة القرام (Gram- أقوى منها في البكتريا سالبة القرام (Gram-ve) .
وكل هذا يؤكد تأثير اليقطينيات الناجح (وقاية وعلاجاً) ضد الميكروبات خاصة البكتريا، أما بالنسبة للبحث الثاني فقد انطلق لمعرفة تأثير اليقطينيات على الحشرات. واختبرت بعض اليقطينيات منها قرع الأواني والحنظل سالفي الذكر ثم قرع الكوسة.
على بعض الحشرات مثل الذباب المنزلية وآفات المخازن، هذا وقد ود حتى الآن أثر طارد لكل من لاحنظل قرع الأواني وقرع الكوسة على آفات المخازن (Tribolium castoneum) وتأثير على تطور عذراء الذبابة المنزلية.
هذا ولا زال البحث جارياً في هذا المضمار، وهو يؤكد تأثير اليقطينيات الواقي ضد الحشرات وبالتالي الأمراض التي تنقلها.
أما أهم المواد الكيميائية الطبية الموجودة في اليقطينيات فهي كوركويتبين Cucutbitacins وهي أنواع عديدة تختلف باختلاف أنواع اليقطين، وهي تنتمي إلى التربينات الثلاثية المسماة (Tetracyclic tritepenes) .كما توجد مواد أخرى مثل بيتوزيد، حمض ستراولين، لوسين وتيروزين هذا وقد عرفت شعبياً علاجات ناجحة لبعض اليقطينيات ضد العديد من الأمراض فمثلاً:
*يستخدم القرع الطويل في عمل (لبخات) على حروق النار والرضوض والإلتواءات .
*كما يستخدم عصير ثمرة القرع مرطباً ومليناً وقاطعاً للحمى عند ارتفاع درجة الحرارة.
*فهل يمكن أن يضاف كل ذلك لذكر اليقطين مع حالة يونس ـ عليه السلام ـ فور خروجه من بطن الحوت، وبغض النظر عن أكل سيدنا يونس ـ عليه السلام ـ من اليقطين المذكور أو عدم أكله منه، فإنه ـ أي اليقطين ـ جيد الغذاء سهل الهضم لا تجهد ثماره المعدة ولا الأمعاء ومفيداً جداً لمرضى القلب والشيوخ والناقهين عموماً!!
كما أنه ذو قيمة عالية جداً من فيتامين (أ) مما يوضح فوائده للبصر في عدم جفافية قرنية العين والأغشية المخاطية المبطنة للجسم، فهو يحتوي على 7.810 ملجم لكل مائة جرام.
كما يحتوي على نسبة معقولة من فيتامين (C) (21 ملجم) والكالسيوم (48) ملجم والفسفور (33 ملجم) ونسب قليلة من فيتامين (B) والحديد والنشا والسكر والبروتين والدهون.
وأخيراً هنالك استخدامات علاجية من البذور (ضد الديدان) وضد الحروق والالتهابات أيضاً وأكد بعض الدراسات أن أكل القرع الأصفر يمنع السرطان (3). وهنالك تأثير في حالات التهابات المسالك البولية وعسر البول وحرقته وهو ملين ومفيد لمرضى القولون الغليظ.
هذا وينبغي أن تكثف البحوث أكثر وأكثر حول هذا النبات المبارك (اليقطين)، أو القرع المأكول واليقطينيات عموماً، مزيداً للفائدة وإظهار لإعجاز القرآن العلمي في عصرنا، كما يبحث في الجوانب النفسية أي أثر اليقطين نفسياً على الإنسان، والله أعلم خاصة وأنه ورد أكل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له وتتبعه له من حوالي القصعة (صحيح البخاري عن أنس) وفي رواية: (إنها شجرة أخي يونس).
م/ن