كيفية إنزال القرآن الكريم
الأول : وهو الأصح الأشهر : أن الله تعالى أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر جملة واحدة . ثم نزل بعد ذلك منجمًا - متفرقًا - في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة ، كذلك بحسب اختلاف الرواة في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة .
الثاني : أنه نزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، كذلك بحسب اختلاف الرواة في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ، وأنه كان ينزل في كل ليلة منها ما يقدر الله إنزاله في كل سنة ، ثم أنزل بعد ذلك منجمًا في جميع السنة .
الثالث : أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في أوقات مختلفة من سائر الأوقات .
الرابع : أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة ، وأن الحَفَظة نَجَّمته على جبريل في عشرين ليلة ، وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة .
الحكمة من نزوله منجماً
قد يتساءل متسائل : ما السر في نزوله منجماً ؟ ولِم لم ينزل كسائر الكتب السابقة جملة واحدة ؟ وقد أجاب الله تعالى على هذا السؤال ، فقال سبحانه : ( وقال الذين كفروا لولا نُزِّل عليه القرآن جملة واحدة ) يعنون : كما أنزل على من قبله من الرسل . فأجابهم تعالى بقوله : ( كذلك ) أي أنزلناه كذلك مفرقًا ( لنُثبت به فؤادك ) أي لنقوي به قلبك ، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب ، وأشدّ عناية بالمرسل إليه ، ويستلزم ذلك كثرة نزول المَلَك إليه وتجدد العهد به وبما معه من الر سالة الواردة من ذلك الجناب العزيز ، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل عليه السلام . وقيل معنى : ( لنثبّت به فؤادك ) أي لتحفظه ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب ، ففرّق عليه ليثبت عنده حفظه ، بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتبًا قارئاً يمكنه حفظ الجميع .
ومن آيات القرآن ما هو الجواب لسؤال ، ومنه ما هو إنكار على قول قيل ، أو فِعْل فُعِل ، فكان جبريل عليه السلام ينـزل بجواب السؤال أو تبيان حكم القول أو الفعل ، وبهذا فسر ابن عباس رضي الله عنه قوله تعالى : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق ) .
كما أن نزوله مفرقًا أدعى إلى قبوله ، لتدرج الأحكام فيه ، بخلاف ما لو نزل جملة واحدة فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس ، لكثرة ما فيه من الفرائض والنواهي ، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدًا ، ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا لا ندع الزنى أبدًا .
والمتتبع للأحاديث النبوية الشريفة يرى أن القرآن الكريم كان ينزل بحسب الحاجة ، أحيانًا : خمس آيات ، ومرة : عشر آيات ، أو أكثر أو أقل ، وقد صح نزول قوله تعالى : ( غير أولي الضرر ) وحدها ، وهي بعض الآية .
كيفية الإنزال والوحي
اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله تعالى منـزل ، واختلفوا في معنى : الإنزال . فمنهم من قال : إظهار القرآة . ومنهم من قال : إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل عليه السلام وهو في السماء ، وهو عال من المكان ، وعلّمه قراءته ، ثم جبريل أدّاه في الأرض وهو يهبط في المكان .
وفي التنـزيل طريقان :
الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل .
والثاني : أن المَلَك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم منه
والأول أصعب الحالين وأشد وطأة على الرسول صلى الله عليه وسلم .
الوحي
سئل الإمام الزهري رحمه الله عن الوحي فقال : " الوحي ما يوحي الله إلى نبيّ من الأنبياء ، فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه ، وهو كلام الله . ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته ، ولكنه يحدّث به الناس حديثًا ويبيّن لهم أن الله أمره أن يبيّنه ويبلّغهم إيّاه " .
وعلى هذا يكون الجزء الأول من كلامه يعني القرآن الكريم ، ويقصد بالشطر الآخر السنة الشريفة ، فكلاهما وحي من الله ، الأول باللفظ والمعنى ، والثاني بالمعنى دون اللفظ .
كيفية الوحي
ذكر العلماء للوحي كيفيات
أولها : أن يأتي الملك في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشد حالات الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : [ سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تحس بالوحي ؟ فقال : أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك ، فما من مرّة يُوحى إليَّ إلا ظننت نفسي تُقبض ] .
الثانية : أن ينفث في رُوعه الكلام نفثًا كما قال صلى الله عليه وسلم : [ إن روح القدس نفث في رُوعي ] .
الثالثة : أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في الصحيح : [ وأحيانًا يتمثل لي الملَكُ رجُلاً فيكلمني فأعي ما يقول ] . وهو أهونه على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الرابعة : أن يأتيه في النوم ، فيبلغه بالآيات .
الخامسة : أن يكلمه الله سبحانه إما في اليقظة كما حصل في ليلة الإسراء ، أو في النوم ، كما ورد في حديث معاذ : [ أتاني ربي فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى .... ]
وقد أخرج ابن سعد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي يغط في رأسه ويتزبّد وجهه ويجد بردًا في ثناياه ويعرق حتى يتحدر منه مثل الجُمان ] .
منقول للفائدة