الحرية هي الخلاص من أسر الشهوات وغموم الدنيا، والاستيلاء عليها بالقهر تشبُّهاً بالملائكة الذين لا تستفزهم الشهوة، ولا يستهويهم الغضب، فإنَّ دَفْعَ آثار الشهوة والغضب عن النفس من الكمال الذي هو من صفات الملائكة).
(وإنما العبد الحق لله عزَّ وجلَّ من أعتق أولاً من غير الله تعالى فصار حُرَّاً مطلقاً فإذا تقدمت هذه الحرية صار القلب فارغاً فحلَّت فيه العبودية لله، فتشغله بالله وبمحبته، وتقيد باطنه وظاهره بطاعته، فلا يكون له مراد إلا الله تعالى، ثم تجاوز هذا إلى مقام آخر أسنى منه يسمى الحرية وهو أن يعتق أيضاً عن إرادته لله من حيث هو، بل يقنع بما يريد الله له من تقريب أو إبعاد، فتفنى إرادته في إرادة الله تعالى، وهذا عبد عتق عن غير الله فصار حُرَّاً ثم عاد وعتق عن نفسه فصار حُرَّاً، وصار مفقوداً لنفسه موجوداً لسيِّده ومولاه إن حركة تحرك وإن سكنه سكن وإن ابتلاه رضي لم يبق فيه متسع لطلب والتماس واعتراض بل هو بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل وهذا منتهى الصدق في العبودية لله تعالى، فالعبد الحق هو الذي وجوده لمولاه لا لنفسه وهذه درجة الصديقين، وأما الحرية عن غير الله فدرجات الصادقين، وبعدها تتحقق العبودية لله تعالى، وما قبل هذا فلا يستحق صاحبه أن يسمى صادقاً ولا صِدِّيقاً، فهذا هو معنى الصدق في القول)
م/ن