اللهم صلي وسلم على من بعثته رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين
حقيقةالصيام:
لقد جهل أقوام حقيقة الصيام؛فقصروه على الإمساك عن الطعام والشراب؛ فترى بعضهم لا يمنعه صومه من إطلاق الكذب والبهتان،ويطلقون للأعين والآذان الحبل والعنان؛ لتقع في الذنوب والعصيان، وقد قال -
صلىالله عليه وسلم -: { من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } [رواه البخاري].
ولله درّ القائل: إذالم يكن في السّمع مني تصاون*** وفي بصري غضّ وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوعُ والظمأ *** فإن قلتُ إني صُمتُ يوماً فما صُمت
رمضان مدرسة الأجيال:
إخواني الصائمين: في رمضان تتربى الأمة على الجدّ، وأمة الهزل أمة
مهزومة، في رمضان يتربّى أفراد الأمة على عفة اللسان، وسلامة الصدور، ونقاء القلوب، وتطهيرها من أدران الأحقاد والبغضاء، والحسد والغلّ والشحناء، ولا سيّما من طلبة العلم، والمنتسبين إلى الخيروالدعوة والإصلاح؛ فتجتمع القلوب، وتتوحّد الجهود، ويتفرّغ الجميع لمواجهة العدو المشترك، ونتخلى جميعاً عن تتبع السقطات، وتلمّس العثرات، والنفخ في الهنّات،والحكم على المقاصد والنيات.
في رمضان: يطلب من شبابنا تحقيق دورهم، ومعرفة رسالتهم،وقيامهم بحق ربهم، ثم حقوق ولاتهم ووالديهم ومجتمعهم.
في رمضان: تتجسد ملامح التلاحم بين المسلمين رعاتهم ورعاياهم،علمائهم وعامّتهم كبيرهم وصغيرهم؛ ليكون الجميع يداً واحدةً، وبناءً متكاملاً؛ لدفع تيارات الفتن، وأمواج المحن؛ أن تخرق السفينة، وتفوّض البناء، ويحصل جرّاءها الخلل الفكريّ والاجتماعي.
في رمضان: تكثر دواعي الخير، وتقبل عليه النفوس؛ فهو فرصة
للدعاة والمصلحين، وأهل الحسبة والتربويين: أن يصلوا إلى ما
يريدون من خير للأمة بأحسن أسلوب وأقوم منهاج؛ فالفرصة
مؤاتية، والنفوس مقبلة. فاتقوا الله - عباد الله -
وأدركوا حقيقة الصوم وأسراره، وتعلموا آدابه وأحكامه، واعمروا أيامه
ولياليه بالعمل الصالح، وصونوا صومكم عن النواقض
والنواقص، وجدّدوا التوبة وحققوا شروطها؛ لعل الله أن يتجاوز عن ذنوبكم، ويجعلكم من المرحومين المعتقين من الناربمنّه وكرمه.
هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رمضان:
لقد كان - صلى الله عليه وسلم- أجود الناس،وكان أجود ما
يكون في رمضان؛ يقول ابن القيّم رحمه الله: ( وكان هديه
فيه عليه الصلاة والسلام أكمل هدي وأعظمه تحصيلاً للمقصود، وأسهله على النفوس، وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن، وكان يكثر
فيه الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر
والاعتكاف، وكان يخصّه من العبادات بما لا يخصّ به غيره ).
وقد سار على ذلك السلف الصالح
- رحمهم الله - حيث ضربوا أروع الأمثلة في حسن الصيام،وإدراك
حقيقته، وعمارة أيامه ولياليه بالعمل الصالح. واعلموا - إخواني المسلمين -
أنكم كما استقبلتم شهركم هذا ستودعونه عما قريب، وهل تدري يا عبد الله هل تدرك بقية الشهر أو لا تكمله؟!
إننا _ والله - لا ندري، ونحن نصلي على عشرات الجنائزفي اليوم والليلة: أين الذين صاموا معنا فيما مضى؟!إن الكيّس اللبيب من جعل من ذلك فرصة لمحاسبة النفس، وتقويم اعوجاجها، وأطرها على طاعة
ربّها قبل أن يفاجئها الأجل، فلا ينفعها - حينذاك - إلا صالح العمل، فعاهدوا ربكم - يا عباد الله - في هذا الشهر المبارك على التوبة والندم،
والإقلاع عن المعصية والمأثم، واجتهدوا في الدعاء لأنفسكم
وإخوانكم وأمتكم.
وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم