والترحم عليه والاستغفار له. انتهى53.
وبهذا يتضح أن تقديم النذور والقرابين للمزارات شرك أكبر. سببه مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في
الحالة التي يجب أن تكون عليها القبور. من عدم البناء عليها، وإقامة
المساجد عليها- لأنها لما بنيت عليها القباب وأقيمت حولها المساجد
والمزارات ظن الجهال أن المدفونين فيها ينفعون أو يضرون. وأنهم يغيثون من
استغاث بهم ويقضون حوائج
من التجأ إليهم فقدموا لهم النذور والقرابين. حتى صارت أوثانا تعبد من دون الله - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)54 وما دعا بهذا الدعاء إلا لأنه سيحصل شيء من ذلك في غير قبره صلى الله عليه وسلم وقد حصل في كثير من بلاد الإسلام أما قبره فقد حماه الله ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم وإن كان قد يحصل في مسجده شيء من المخالفات من بعض الجهال أو الخرافيين. لكنهم لا يقدرون على الوصول إلى قبره صلى الله عليه وسلم لأن قبره في بيته وليس في المسجد وهو محوط بالجدران- كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في نونيته:
فاستجاب رب العالميـن دعاءه
*** وأحــاطـه بثــلاثــة الجــدران
البدعة55
تعريفها
البدعة في اللغة: مأخوذة من البدع وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: (بَدِيعُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ)56 ،أي مخترعهما على غير مثال سابق وقوله تعالى :
(قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرّسُلِ)57
، أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من
الرسل .ويقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبق إليها.
والابتداع على قسمين:
ابتداع في العادات كابتداع المخترعات الحديثة وهذا مباح لأن الأصل في العادات الإباحة.
وابتداع في الدين وهذا محرم لأن الأصل فيه التوقيف، قال صلى الله عليه وسلم(من أحدث في أمرنا هذا ما )58 وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)59.
أنواعها
البدعة في الدين نوعان:
النوع الأول: بدعة قولية اعتقادية كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة وسائر الفرق الضالة واعتقاداتهم. مثل بدعة القول بخلق القرآن .
النوع الثاني: بدعة في العبادات كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها وهي أقسام:
القسم الأول:
ما يكون في أصل العبادة: بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع كأن يحدث
صلاة غير مشروعة أصلاً أو أعيادا غير مشروعة كأعياد الموالد وغيرها.
القسم الثاني: ما يكون من الزيادة في العبادة المشروعة، كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلاً.
القسم الثالث:
ما يكون في صفة أداء العبادة المشروعة بأن يؤديها على صفة غير مشروعة ،
وذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة ، وكالتشديد على النفس في
العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الرابع :
ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع كتخصيص يوم النصف من
شعبان وليلته بصيام وقيام ، فإن أصل الصيام والقيام مشروع ولكن تخصيصه
بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل.
حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها:
كل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)60 وفي رواية (من عمل عملاً ليس
عليه أمرنا فهو رد)
فدل الحديثان على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة،
ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمة ولكن التحريم يتفاوت
بحسب
نوعية البدعة ، فمنها ما هو كفر صراح ، كالطواف بالقبور تقرباً إلى
أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم
وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة،
ومنها
ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها، ومنها ما
هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم
المخالفة للأدلة الشرعية، ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل والصيام قائماً
في الشمس ، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع .
تنبيه:
من قسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة فهو مخطئ ومخالف لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن كل بدعة ضلالة) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول ليس كل بدعة ضلالة بل هناك بدعة حسنة، قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين: فقوله صلى الله عليه وسلم : (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين
يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة انتهى 61.
وليس لهؤلاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه).
وقالوا
أيضا: إنها أحدثت أشياء لم يستنكرها السلف مثل جمع القرآن في كتاب واحد
وكتابة الحديث وتدوينه والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع
فليست محدثة ،
وقول عمر (نعمت البدعة)
يريد البدعة اللغوية لا الشرعية فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه إذا
قيل إنه بدعة فهو بدعة لغة لا شرعا، لأن البدعة شرعاً : ما ليس له أصل في
الشرع يرجع إليه، وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن، ولأنه كان مكتوباً متفرقا فجمعه الصحابة رضي الله عنهم في
مصحف واحد، حفظاً له، والتراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخيرة خشية أن تفرض عليهم واستمر الصحابة رضي الله عنهم0