وأهم هبة لنبينا الكريم : هي كون كوثر الخير منه وهو المنعم عليهم للهداية للصراط المستقيم ، وجعل آله أئمة دينه بعده ، وقد عرفت بعض مواهب الله عليه ، ولكنه الله أدبه وأعطاه أمر إمامة نور الهدى الإلهي، وكل شيء يأخذ منه نصيب ، وبما يهبوه من الإمامة ويجعلوه وكيل لهم ويقبلوه مُبلغ لدينهم ، وهذا الآية في الدين عمل بها نبينا حتما وهكذا وصيه ورجل بيته الأول كما عرفت في آيات النور ، لأنهم لا يمرون عليها عماً وصماً وهم يتلونها وأنظر كيف يؤدبنا ويرشدنا لأئمة الدين الصادقين من آل محمد عليهم السلام :
{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ( 73)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا
هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامً (74)
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا }الفرقان77 .
آيات كريمة : تعرفنا هبة الإمامة ووجودها في الإسلام من الله الوهاب ، ولا تنطبق في معناها إلا على النبي وآله ، ولم توجد لأحد غيرهم إمامة حق في ذريتهم ولا تنطبق على غيرهم أبدا تدبر تأريخ الدين ورجاله وما يؤيده الله بكتابه وسيرة البشر كلهم ، فهؤلاء أئمة الحق نبينا وآله وذريته تشهد لهم كل آيات الإمامة ، وهم من بنته فاطمة وأمها خديجة وهم الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام نور على نور بعد نور يشرقون نور هدى الله ، وأبوهم علي بن أبي طالب خير منهم وله الأدلة الخاصة به التي تشمله وتشمل آله ولا يدعي هذا المنصب غيرهم .
ومن لم يعرف إمام زمانه : مات ميته جاهلية على أن الأئمة من قريش اثنا عشر إماما ولم تنطبق إلا عليهم ، وكل من يدعي الإمامة غيرهم لا دليل له ولا برهان ، بل يكذبه كلام الله والقرآن ، لأنه لها شروط حققها واصطفاها في ذرية نبينا الكريم وهو الأولى باستجابة الدعاء والأمر قد تم لهم بدون منازع ، وهذه الهبة الحقيقية لنبينا الكريم وهذا كان معنى أجر الرسالة في آية مودة القربى .
وهؤلاء سادتي وأئمتي : وهو نور الوهاب ، فأتني بمثلهم إن كان لك غيرهم ، ولا غير إلا أمام عاصي لإمام الحق ، وإما مطيع فهو منهم ، وأسأله الله أن يقبلني وكل مؤمن طيب مواليا ومن شيعتهم ومحب ومخلص في بيان مواهب الله لهم ، ولنا بتعريفنا أئمة ديننا وهبتهم لنا ، حتى يدعونا بهم يوم يدعى كل أناس بإمامهم يوم القيامة .
وبعد إن عرفت : هبة الله التامة في النور للنبي في آله الطيبين الطاهرين ، أنظر ما قام به آل محمد صلاة الله وسلامه عليهم في سورة الإنسان الدهر وأتلوها فإنها تبين هبتهم الخالصة لوجه الله وفي سبيله حتى قال تعالى :
{ إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا (9)
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمْ الله شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورً (11 )
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} الإنسان19 . وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرً} الإنسان20 .
وهذا الملك العظيم والنعيم الكبير من الله الوهاب : هو لنبينا وآله وهو المقام المحمود ولواء الحمد وجنة الخلد ، وهو الآن عندنا الكتاب والحكمة وفي الآخرة هو ما وصف بعض أحواله الله تعالى الوهاب في تلك الآيات ، وذلك لما علم صدق نيتهم وإخلاصهم له ، وهذه سورة الإنسان ذكر نزولها في شأنهم كل من ذكر شأن نزولها ، وهي وفاء لنذر نذروه فيأتي مسكين ويتيم وأسير فيعطوه طعامهم ولا يرجون إلا الله وحده لا شريك له .
وهذه الهبة والعطاء من غير رجاء لأحد إلا الله تعالى هو الله تعالى الذي حكاها لنا وعرفها بأنه قد خلصوا من كل مَن ورجاء شيء وعوض من أحد مهما كان ، ولكن الله أبان فضلهم وتكريمهم في قرآن يتلى ولم يكون غرضهم أن يعرف بها أحد ، ولكن هذه هبة على هبة ليبين لنا فضلهم وما وهبهم من القدرة على النية الصادقة بالإخلاص له ، وهذا أيضاً كان حال آية الولاية التي عرفتها عندما تبرع الإمام علي عليه السلام بالخاتم في الصلاة وهو راكع ، فعلم إخلاصه الله فجعله الولي الحق بعد رسول الله ، وجعل حزبه هم المفلحون الغالبون .
وهذه النية الصادقة لله : بأن تكون وحدها من غير تأثر قلبي إلا رجاء رضا الله تعالى هي من المواهب الإلهية التي لا يقدر البشر أن يرفعها بنفسه عن هبته ، إلا من تجلى عليه الوهاب بالتجلي الخالص والتكريم المختص ، فأنا مهما حاولنا أن نطعم فقير وبقربة خالصة لله ولكن يسبقه تأثر نفس وعطف وتأثر داخلي بالتصدق نحاول أن نرفعه عن أنفسنا المتألمة باحتياج الفقير ، أو المحبة لرفع النقص عن نفس من نحب تمليكه بالأول لقرابة أو لصداقة ، وإن قصدنا القربة لله تعالى من غير منّ ومن غير إذا بعدها ، وهي حسنة ولها أجر عظيم ، ولكن هذه حكاية الله عن نبينا وآله وهذه مواهب الله تعالى لهم ، وحق لمن والاهم وأخذهم أئمة دين وأفضل هبة من رب العالمين تهديه للصراط المستقيم أن يتمثل بهم في سلوكه ويحبهم ويحب هداهم وسيرتهم وسلوكهم.
والمؤمن : موهوب ومواهب الله عليه كثيرة ومنحه وعطاياه له جسيمه ، وسمي مؤمن لأنه آمن بالله وجعل ما وهبه الله في طاعته وإقامة عبادته والإخلاص له ، وبجد وأجتهد لمعرفة الله كما يحب ويرضى ، فيطلب معرفة الله ودينه الحق ممن وهبهم ملك دينه وتعاليمه حتى يهبوها للناس بإذنه ويعلموهم هداه ، فتراه قد وهب نفسه لله ولدينه ولتطبيق تعاليمه .
فالمؤمن : يصرف كل ما وهبه الله من نفس وبدن قدرة وعلم وفكر وعمل ومال وجاه وكل شيء يمكنه أن يتصرف به مع الإخلاص لعبودية ربه ونشر دينه ونصره ، وهو في الحقيقة يبذل مواهب الله عليه في كل شيء من أجل أن تدوم مواهب الله عليه دنيا وآخرة ويكون في نعيم خالد ، وهذا فضل الله وهبته وكرمه الدائم بمنّه .
والمؤمن : أعقل من أن يهب نفسه لأئمة الكفر وللعصاة ولشهوات النفس والشيطان ووساوسه فيخرج عن ولاية الله وأهل ولايته لولاية الشيطان وحزبه الضالين ، ولذا ترى المؤمن لا فقط بكل تصرف له يكون يُبعد نفسه عما يضله وبالتعلم والعمل بما يقربه لله ، بل نذر نفسه لدينه والدفاع عنه وتعريفه وإنقاذ المؤمنين من حبائل الشيطان ووساوسه بما يعرفهم من دين ربه وهداه ، كما عنده لهم بما مكنه ربه مواهب جميلة لا منّ فيها ولا أذى حتى يكون عامل بمضمون الأثر تهادوا تحابوا ، فيجلب حب إخوانه المؤمنين الذي فيه مظهر لتجلي الواهب فيه ، وحب الله بمواهبه التشريعية والمادية والمعنوية ، وكل كلمة طيبة وجاه ينفعهم ، ويبادر بالسلام وكل صلة مادية ومعنوية وعلمية بما أقدره الله تعالى الوتر النور الوهاب الناصر الواسع .
