فيثاغورس .. والأعداد
ولد فيثاغورس حوالي 580ق م في ساموس بالقرب من شاطئ آسيا الصغرى درس على يد طاليس، وعندما بلغ من العمر خمسين عاما ترك ساموس وذهب ليعيش في بلدة اسمها كروتونا في جنوب إيطاليا وهناك كون مدرسة في فلسفة الرياضيات. وإن كان كثير من المعتقدات التي اعتنقها الفيثاغورثيون تبدو لنا أمورا غير معقولة – إلا أن علم الرياضيات مدين دينا كبيرا للعمل الذي قام به أتباع فيثاغورس وقد إعتقد فيثاغورس وأتباعه أن "الأعداد" هي العناصر التي تنشأ عنها جميع الأشياء وأن أي شيء يمكن التعبير عنه بالأعداد. كذلك وضعوا اصطلاحي " الأعداد الفردية والزوجية" واعتبروا الأعداد الفردية مقدسة أما الأعداد الزوجية فغير ذلك. ولقد ربط الفيثاغورثيون الأعداد بالهندسة. فالخط المستقيم يتحدد بنقطتين. كما يتحدد المستوى بثلاث نقط، ويتحدد الفراغ بأربع نقط . ومن هنا اتجه فيثاغورس إلى اعتبار الكون كامنا في هذه الأعداد الأربعة .
وقد كان الفيثاغورثيون يعيدون كل شيء إلى العدد ويعتقدون أنه يمكن بناء هذا العلم من الأعداد 1، 2، 3، 4. ونظريته في الأعداد لم تكن رياضة فحسب – بل كانت دينا وعقيدة وكان الفيثاغورثيون يتمادون في عملية المناظرة بين الأعداد والأشياء في هذاالعالم، فالأعداد الفردية مذكرة والأعداد الزوجية مؤنثة ، والعدد واحد ليس عددا بذاته بل هو مصدر كل الأعداد، لذا فهو يرمز للتعقل، والعدد اثنان يرمز للرأي والعدد ثلاثة رمز للقدرة الجنسية والعدد أربعة رمز للعدل والعدد خمسة رمز للزواج (لأنه يتكون من أول عدد مذكر 3 وأول عدد مؤنث 2).
كان الفيثاغورثيون يعتقدون أن أسرار الألوان تعرف من صفات العدد خمسة، والبرودة من صفات العدد ستة، وسر الصحة في العدد سبعة، وسر الحب في العدد 8 (وهو حاصل جمع العدد ثلاثة الذي يرمز للقدرة الجنسية والعدد 5 الذي يرمز للزواج) وعندهم أن من الأعداد ما هو كريم وما هو كئيب فالأعداد التامة كريمة لأنها نادرة الوجود، أما الأعداد الرديئة فهي كثيرة جدا. كما أن الأعداد عند الفيثاغورثيون أخلاقا أيضا، سئل فيثاغورث يوما عن تعريفه للصديق فقال: صديقك من كان صورة منك مثل العددين 220، 284 – وهما عددان متحابان.
أزمة الفيثاغورثيون :
اعتقد الفيثاغورثيون أن كل شيء في الكون مرتبط بشكل ما بعدد يشترك مع الأعداد الأخرى في بعض النواحي – فاعتقد مثلا ان أي طولين لابد أن يشتركا في طول محدد، فإذا قسمت (ثلاثة ونصف) بوصات إلى سبعة أقسام متساوية، 5 إلى عشرة أقسام متساوية فإن الأقسام السبعة والأقسام العشرة تكون متساوية أي 5/3 ، 5 لهما مقياس مشترك هو 2/1 (نصف) وأخذوه أمرا مسلما به – أي أن أطوال ( أو الأعداد التي تدل على هذه الأطوال) يمكن التعبير عنها بنفس الوحدات إذا أجريت عمليات التقسيم المناسبة – إلا أن مشكلة عويصة واجهت الفيثاغورثيون وأعجزتهم وهدمت معتقداتهم عن الأعداد – تلك هي مشكلة عدم وجود مقياس مشترك بين طول ضلع المربع وطول قطره.
فإذا كان المربع طول ضلعه 1 سم فإن طول ضلعه عددا إذا ضرب في نفسه كان الناتج 2. إلا أنه يستحيل وجود هذا العدد حيث أنه عدد غير منته ولن نستطيع إيجاد مقياس مشترك يربط بين طول ضلع مربع وطول قطره – وقد كان هذا صدمة للفيثاغورثيون – فقد كانوا يعتقدون أن من الممكن أن نحدد كم مرة يحتوي قياسا على قياس آخر. ولقد اهتز الفيثاغورثيون لفشل اعتقادهم أن جميع الأعداد بينها مقياس مشترك لدرجة أنه قيل أنهم هددوا بالموت أي عضو منهمم يفشي هذا السر المقلق فمضت 150 سنة على وفاة فيثاغورث قبل أن يجد الرياضي الإغربقي أودوكصص Eudoxus طريقة هندسية لحل المسائل التي تنطوي على أعداد غير نسبية.
بعض مآثر المدرسة الفيثاغورية:
1- وضع فيثاغورث وأتباعه اصطلاحي الأعداد الفردية والزوجية .
2- إطلاق اصطلاح "نظرية" على منطوق الحقيقة وبرهانها.
3- أول من أطلق على الأعداد25،16،9،4،1،.....أعدادا مربعة كما سموا أعدادا مثل ( 10،6،3،1) أعدادا مثلثة.
4- اقتبس أبولوينوس أسماء وضعها الفيثاغوريون تصف أشكالا معينة وأطلقها على القطاعات المخروطية (المكافئ- الناقص-الزائد) وسيأتي بيان ذلك تفصيلا عند الكلام على علم الهندسة.
5- نظرية فيثاغورث عن المثلث القائم الزاوية.
6- أبحاثهم في نظرية الأعداد (الأولية-المثلثية-التامة-...إلخ).
7- أبحاثهم في جمع المتواليات المختلفة.
8- أسس الفيثاغورثيون طريقة البرهان الرياضي بالاستنباط ابتداء من مسلمات معينة.
تلك هي أكثر الجوانب الإيجابية التي أثرت بها المدرسة الفيثاغورثية الرياضيات حتى وقتنا الحاضر بعيدا عن الخرافات عن الأعداد التي تحطمت على صخرة الأعداد غير النسبية.